مع تزايد أزمة الغذاء العالمي وانعكاساتها على منطقتنا العربية، تزايد الاهتمام بالاستثمار الزراعي، وتزايدت أهمية السودان كسلة للغذاء العربي، وراح العديد من المستثمرين والشركات الاستثمارية الخليجية والعربية يزحفون نحو السودان بحثا عن فرص أفضل للاستثمار الزراعي ولتحقيق الأمن الغذائي.
وقد استقبل السودان أعداداً كبيرة من رجال الأعمال والحكومات من مختلف دول العالم وبعض الدول العربية، خاصة الخليجية والتي استحوذ مواطنوها على أكثر من 1.2 مليون فدان من الأراضي الزراعية الخصبة الموزعة في معظم ولايات السودان، خاصة ولاية نهر النيل والخرطوم والجزيرة وسنار والنيل الأبيض وكردفان.
وبلغت الفجوة في الإنتاج الزراعي والحيواني في الدول العربية 18 مليار دولار في العام 2007، ومن المرجح أن ترتفع إلى 32 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة؛ بسبب الارتفاع المستمر في أسعار المنتجات الزراعية عالميا نتيجة التغيرات المناخية، وما صحبها من جفاف ضرب معظم مناطق الإنتاج الزراعي الرئيسة، كما أن توجه بعض دول الإنتاج الرئيسة إلى إنتاج الوقود الحيوي شكل ضغطاً كبيراً على المعروض من الحبوب،.
وقال المستشار الاقتصادي للسفارة السودانية في الإمارات نور الهدى فتح العليم إن الاستثمارات الخليجية تتدفق الآن إلى السودان لاستصلاح واستزراع الأراضي بمختلف المحاصيل الأساسية، وخاصة القمح والذرة والأعلاف الحيوانية. ويمتلك السودان أراضي زراعية واسعة تعادل 48% من جملة الأراضي الزراعية في الوطن العربي؛ أي ما يعادل حوالي مائة مليون هكتار، بالإضافة إلى المراعي الطبيعية الخصبة التي تصل مساحتها إلى 130 مليون هكتار، في ظل وجود ثروة حيوانية هائلة تصل إلى 135 مليون رأس مع وفرة المياه العذبة من الأنهار والأمطار والمياه الجوفية. وأوضح فتح العليم -في تصريحات لـ"الأسواق.نت"- أن السودان يحتضن الآن استثمارات زراعية سعودية على مساحة 250 ألف فدان في ولاية نهر النيل شمال السودان، مشيرا إلى أن بعض هذه المساحات بدأت الإنتاج فعلا في حين يتم استكمال الإجراءات الإدارية لبقية المشاريع. وقال فتح العليم إن الاستثمارات الزراعية الإماراتية هي الأكبر في السودان، حيث تتم على مساحة 900 ألف فدان في عدة ولايات، وأهمها هو مشروع زايد الخير على مساحة 40 ألف فدان في ولاية الجزيرة، حيث يتم زراعة القمح والذرة الشامية وبعض الأعلاف، مشيرا إلى أن شركة الروابي الإماراتية تعمل في إنتاج الأعلاف أيضا في شمال السودان بالتعاون مع الهيئة العربية للاستثمار الزراعي. وأشار المسؤول السوداني إلى أن مستثمرين كويتيين من القطاع الخاص وقعوا اتفاقا لاستزراع 40 ألف فدان في ولاية النيل الأبيض، كما أن مستثمرين قطريين تقدموا بطلبات لتملك أراضي ويقومون الآن باستكمال الإجراءات، وهناك توجهات مماثلة لمستثمرين ليبيين ويمنيين، وفي الوقت نفسه هناك استثمارات زراعية أردنية على مساحة 150 ألف فدان، وقد بدأ بعضها الإنتاج الفعلي في ولاية نهر النيل، بخلاف مشروعات التكامل الزراعي بين مصر والسودان، والتي تمتد على مساحة آلاف الأفدنة.
وقد بدأ المشروع الزراعي الإماراتي زايد الخير في عام 2000 على مساحة 40 ألف فدان باستثمارات تقدر بـ60 مليون دولار، وحسب المسؤول عن المشروع أحمد سالم المنصوري فقد بدأ المشروع في مرحلة إنتاج في 2002، حيث ينتج الذرة الصفراء والقمح والفول السوداني وحاليا زهرة الشمس. وقال المنصوري لـ"الأسواق.نت" إن المساحة التي تمت زراعتها حتى الآن تمثل 30% من مساحة المشروع، في حين تم استصلاح بقية المساحة 70%، وستبدأ الزراعة فيها قريبا، مشيرا إلى أن تسويق الإنتاج يتم حاليا داخل السودان بسبب تنافسية السعر؛ لكنه أشار إلى أن الحكومة السودانية لا تضع أية عقبات أمام تصدير الإنتاج إلى الخارج، وأن شركته أقرت سياسة جديدة للتصدير إلى الإمارات، وأنها تخطط الآن لزراعة مساحات أكبر بالبرسيم لتصديره جافا إلى الإمارات، التي تحتاج إلى مليون طن سنويا من هذا المحصول. وتركز الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي، وهي إحدى آليات العمل العربي المشترك 70% من مشروعاتها في السودان، ويعتبر مشروع شركة إنتاج السكر (كنانة) أبرز المشاريع التي تشارك فيها الهيئة، ويعتبر هذا المشروع نموذجاً للاستثمار العربي المشترك، حيث تقوم بإنتاج حوالي 400 ألف طن سكر سنوياً، بالإضافة إلى المنتجات الأخرى المصاحبة مثل توليد الكهرباء من قصب السكر وأعلاف الحيوانات.
وقال المدير الإقليمي للهيئة في دبي العربي الحامدي إن الهيئة التي تضم 20 دولة عربية تسعى لجسر الفجوة الغذائية في المنطقة العربية، وإنها في سبيل ذلك تسعى إلى تأسيس شركات استثمارية ضخمة في المجال الزراعي كان آخرها إنشاء شركة قابضة للاستثمار الزراعي بالتعاون مع مستثمرين سعوديين وإماراتيين برأسمال 4 مليارات درهم (الدولار = 3.67 درهم) لإنتاج السلع الغذائية الضرورية مثل الحبوب واللحوم والسكر.. الخ، مشيرا إلى أن الهيئة بصدد تأسيس شركات مع مستثمرين خليجيين في السودان الذي يمتلك إمكانيات زراعية هائلة، ومشيرا أيضا إلى أن مشاريع الهيئة في السودان تتنوع بين مشاريع إنتاج الزيوت واللحوم والأعلاف الخضراء للتصدير، بالإضافة إلى سكر كنانة ومشروع لإنتاج الحبوب في 115 ألف هكتار. وتبلغ رؤوس أموال الشركات التابعة للهيئة 650 مليون دولار، في حين تبلغ استثمارات المشاريع التي تشارك فيها الهيئة 2.4 مليار دولار، ولدى الهيئة 30 مشروعا منتشرة في عدة دول. وقال الحامدي لـ"الأسواق.نت" إن الهيئة لديها خطة عشرية للحد من الفجوة الزراعية بالتعاون مع الدول الأعضاء، وتستهدف الخطة إنتاج السلع الغذائية الرئيسة واللحوم والألبان والسكر والزيوت والتصنيع الغذائي، وتعبئة الموارد المالية وحفز المستثمرين العرب على دخول الاستثمار الزراعي، ونشر التقنيات الزراعية الحديثة لزيادة الإنتاجية بدون حرث، وتشجيع القطاع الخاص للتعاون مع الهيئة في المشروعات الزراعية. وقال الحامدي إن الهيئة توفر العديد من الفرص الاستثمارية أمام المستثمرين بعد دراستها بجدية، كما أنها توفر الدراسات الضرورية، متوقعا تزايدا للإقبال على الاستثمار الزراعي، خصوصا من الدول الخليجية، في ظل تفاقم أزمة الغذاء العالمية. وقامت الحكومة السودانية بوضع خطة متكاملة للنهوض بالإنتاج الزراعي، واستغلال جزء من المساحة الكلية الصالحة للزراعة، حيث تم رصد حوالي 5 مليارات دولار في الميزانية للفترة من 2006 – 2011، وفي ذات الوقت تقدم الحكومة السودانية العديد من التسهيلات والمزايا الاستثمارية للشركات والمستثمرين، ومن ذلك امتلاك الأراضي الزراعية لفترات طويلة قد تصل إلى 99 سنة في بعض الولايات السودانية، بالإضافة إلى منح الأرض بأسعار زهيدة، مع الإعفاء من ضريبة أرباح الأعمال والإعفاء من رسوم الصادر، مع توفر حرية انتقال الأموال من دون قيود، هذا بالإضافة إلى الإعفاءات الجمركية على الآليات والمعدات المستخدمة في الإنتاج الزراعي.
من جهته كشف وزير الزراعة للولاية الشمالية في السودان المهندس أحمد البدوي لـ"الاقتصادية"، عن أنه يتلقى يوميا طلبات للاستثمار الزراعي في الإقليم الشمالي في السودان، 50% منها من مستثمرين سعوديين يمثلون شركات وأفرادا. وبين الوزير السوداني أن جميع الطلبات هي للاستثمار في زراعة القمح؛ حيث تم تشكيل لجنة عليا لاستقبال طلبات الاستثمار الزراعي في المناطق السودانية. وبين البدوي أنه تم إعطاء مساحات كبيرة تصل إلى 200 ألف فدان وبإيجار تصل مدته لـ99 عاما، مشيرا إلى أن جميع الأراضي عائدة ملكيتها للدولة، كما أن الحكومة السودانية لا تفرض وجود أي شريك سوداني شرطا للاستثمار في المناطق السودانية، مشيرا إلى أن الحكومة تنزع الأرض في حال مرور سنتين على تسلم الموقع ولم يتم البدء في الاستثمار فيه. وأشار الوزير البدوي إلى أن منطقة الشمال في السودان تعتبر من أفضل الأراضي الصالحة لزراعة القمح، وتصل مساحتها إلى 89 مليون فدان، تم تجهيز 13 مليون فدان للاستفادة منها وتجهيزها للمستثمرين، مبينا أنهم في الوزارة صوروا تلك المواقع عبر الأقمار الصناعية لتحديد مواقع الاستثمار ومن ثم معاينة الموقع، مبينا أن جميع الخدمات تم إيصالها إلى تلك المناطق حيث الطرق الرئيسة والكهرباء. وقال وزير الزراعة إن الحكومة استثنت المواقع الواقعة في منطقة النيل لصالح استثمارات حكومية ومواطنين، مشيرا إلى أن منطقة الشمال نسبة المياه الجوفية فيها عالية جدا، حيث لا يتجاوز حفر الآبار 100 متر، وهي واقعة ضمن الحوض الرملي النوبي وتتعوض المياه فيه بسرعة كبيرة، موضحاً أنهم في الوزارة لا يفضلون شق الترع، حيث إنها تعوق استثمارات كبيرة، خصوصا في قطعها طرقا وتقليص المساحات. وكان الوزير قد التقى في اليومين الماضيين عددا من المستثمرين والشركات في منطقة القصيم وحائل في تحرك سوداني لاستقطاب عدد من المستثمرين من الخارج، خصوصا في مجال الزراعة. وبين البدوي أن هناك تحركا كبيرا من مستثمرين وشركات سعودية للحصول على أراض في الولاية الشمالية للاستثمار هناك، مشيرا إلى أن عددا منهم قد تسلم الموقع وبدأ في تجهيزه، وأضاف البدوي أن في الولاية الشمالية تم تجهيز 13 مليون فدان للاستثمار الخارجي، وهي مساحات كبيرة جدا، حيث تم خلال شهرين، ومنذ إعلان السعودية البدء في إجراءات وقف زراعة القمح خلال الفترة المقبلة، حيث تم إنهاء أكثر من مليون و200 ألف فدان وسلمت لمستثمرين يمثلون دول الخليج، وشكلت السعودية 50 في المائة من نسبة المستثمرين. وبين الوزير البدوي -خلال لقائه مسؤولين في شركة القصيم الزراعية- أن الحكومة السودانية لا تفرض أية قيود على زراعة القمح، كما أنها تسمح بالتصدير للمنتج، مبينا أن الكمية المنتجة في السودان تتجاوز 600 ألف طن، ويصل سعر طن القمح إلى 500 دولار، في حين لا تتجاوز تكلفة زراعة القمح في السودان 250 دولارا للفدان، كما أنه مسموح بزراعة جميع المحاصيل الزراعية، ومن بينها القمح بالدرجة الأولى والذرة الصفراء والأعلاف بأنواعها المختلفة، وأضاف الوزير أنه يجب على المستثمرين في السودان اقتطاع 5% من إجمالي المشروع لصالح الفقراء وخدمات اجتماعية أخرى.
من جانبه بين مساعد المدير العام للشؤون الفنية في شركة القصيم الزراعية المهندس سلطان بن صالح الثنيان أن هناك توجها كبيرا سواء من شركتهم أو من شركات زراعية أخرى للاستفادة من الأراضي السودانية في زراعة الأعلاف والقمح وتصديرها للسعودية من هناك، خصوصا أن المنطقة قريبة من السعودية وتتوافر فيها كثير من مزايا استثمار القمح، حيث إن الأراضي تعد بكرا، إلى جانب خصوبتها العالية وعدم الحاجة إلى كثير من الأسمدة، التي يستخدمها المزارعون في السعودية، كما أن هناك فرقا كبيرا في تكاليف الإنتاج في الهكتار يصل إلى أكثر من 60%، من أهمها تكاليف استخراج المياه في السعودية، وكذلك كميات المبيدات والأسمدة التي يضعها المزارعون السعوديون في محاصيلهم لكي يصلوا إلى إنتاجية عالية للهكتار. وأشار الثنيان إلى أن هناك بعض الشركات السعودية الزراعية ستنتج كمياتها المصرحة لها من السودان، ليبقى الجلوس مع المسؤولين في صوامع الغلال ومطاحن الدقيق ووضع آلية جديدة لمثل هذه الاستثمارات وتوريدها للصوامع، كما أن إنتاج القمح في السودان خاضع لأسواق عالمية، فسوف يكون خيار البيع مفتوحا أمام الشركات السعودية، خصوصا أنهم سيحصلون على أسعار السوق العالمية. وقال الثنيان خلال الفترة المقبلة يجب أن يكون هناك اتفاق مع المؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق على دراسة الاستفادة من المستثمرين سواء الأفراد أو الشركات في السودان، والحصول على الكميات اللازمة للأسواق السعودية، والاتفاق على سعر يكون فيه فائدة للطرفين، خصوصا أننا نتعامل مع مستثمرين سعوديين في الخارج؛ مما يعني أن فقدان العملة سيكون بشكل أقل، ويعود على تلك الشركات بالفائدة الكبيرة. وبين الثنيان أنهم ينتظرون فترة بسيطة لدراسة تلك الاستثمارات، قبل أن تعلن بشكل رسمي.
وأشار المستشار الاقتصادي السوداني فتح العليم -في حديثه لـ"الأسواق.نت"- إلى العديد من الفرص الاستثمارية الجديدة في السودان، ومنها مشروع السبة الزراعي غرب النيل الأبيض على مساحة 50 ألف فدان ويصلح لزراعة القطن والقمح والبقوليات وزهرة الشمس والخضروات بتكلفة تقدر بـ60 مليون دولار، ومشروع إنتاج الذرة الشامية في ولاية النيل الأزرق على مساحة 25 ألف فدان بتكلفة 31 مليون دولار، ومشروع الفردوس الزراعي في منطقة شرق النيل (ولاية الخرطوم) على مساحة تقدر بحوالي 260 ألف فدان، ومشروع ترعة غرب أم درمان علي بعد 3 كلم جنوب خزان جبل أولياء غرب النيل الأبيض، ويستهدف المشروع 159 ألف فدان من جملة 200 ألف فدان، ومشروع سوبا شرق الزراعي لري 50 ألف فدان بمنطقة شرق النيل الأزرق، ومشروع دلتا طوكر لزراعة الخضر للصادر على مساحة 10 آلاف فدان في ولاية البحر الأحمر، ومشروع غرب حلفا بالولاية الشمالية على مساحة 200 ألف فدان، ومشروع الفداء للإنتاج الزراعي على مساحة 30 ألف فدان في ولاية نهــر النيل تصلح لزراعة المحاصيل الحقلية والأعلاف بتكلفة 31.6 مليون دولار، ومشروع وادي النقع على مساحة 100 ألف فدان في ولاية نهــر النيل بتكلفة 142.7 مليون دولار، ومشروع الجهاد الزراعي على مساحة 4000 فدان. المشروع في ولاية نهــر النيل.